اسم

هذه السورة أخذت اسمها من الآيات 136 و 138 و 139 التي تم فيها دحض بعض المعتقدات الخرافية للعرب الوثنيين حول حل بعض الأنعام وحرمة بعضها الآخر.

فترة الوحي

بحسب حديث ابن عباس، نزلت السورة كاملةً في جلسة واحدة بمكة. تقول أسماء، ابنة يزيد وابنة عم معاذ بن جبل رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم راكبًا على ناقة، وأنا آخذ بذيلها، فثقلت على الناقة حتى كاد عظامها أن تتكسر من ثقلها". كما نتعلم من أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى السورة كاملةً في الليلة التي نزلت فيها.

يُظهر موضوعها بوضوح أنها لا بد أن تكون قد نزلت في السنة الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة. ويؤكد ذلك حديث أسماء بنت يزيد. وبما أنها كانت من الأنصار وأسلمت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، فلا بد أن زيارتها للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة كانت في السنة الأخيرة من حياته هناك. فقبل ذلك، لم تكن علاقاته بهم حميمة لدرجة أن امرأة منهم كانت تأتي لزيارته في مكة.

مناسبة الوحي

بعد تحديد فترة نزول السورة، يسهل تصور خلفية أحداثها. فقد انقضت اثنا عشر عامًا على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للناس إلى الإسلام. واشتد عداء قريش واضطهادهم، واضطر غالبية المسلمين إلى مغادرة ديارهم والهجرة إلى الحبشة. وفوق كل ذلك، لم يعد للنبي صلى الله عليه وسلم، أبو طالب والسيدة خديجة رضي الله عنهما، عونٌ أو دعمٌ له. وهكذا حُرم من كل سندٍ دنيوي. ومع ذلك، واصل رسالته في مواجهة المعارضة. ونتيجةً لذلك، بدأ جميع أهل مكة والقبائل المحيطة بها، من جهة، بقبول الإسلام تدريجيًا؛ ومن جهة أخرى، اتسمت الأمة كلها بالتصلب والرفض. ولذلك، كان من يُبدي أي ميلٍ نحو الإسلام يتعرض للسخرية والاستهزاء، والعنف الجسدي، والمقاطعة الاجتماعية. في ظل هذه الظروف المظلمة، انبثق بصيص أمل من يثرب، حيث بدأ الإسلام ينتشر بحرية بفضل جهود بعض ذوي النفوذ من الأوس والخزرج، الذين اعتنقوا الإسلام في مكة. كانت هذه بداية متواضعة في مسيرة الإسلام نحو النجاح، ولم يكن أحد ليتنبأ آنذاك بالإمكانيات الهائلة الكامنة فيه. فقد بدا للمراقب العابر آنذاك أن الإسلام مجرد حركة ضعيفة لا تملك سندًا ماديًا سوى الدعم الضئيل من آل البيت أنفسهم والقلة الفقيرة من أتباع الحركة. ومن الواضح أن هؤلاء لم يتمكنوا من تقديم الكثير من المساعدة لأنهم طردوا من قبل قومهم الذين أصبحوا أعداءهم واضطهدوهم.

المواضيع

كانت هذه هي الظروف التي نزل فيها هذا الخطاب. ويمكن تقسيم المواضيع الرئيسية التي تناولها هذا الخطاب إلى سبعة عناوين:

دحض الشرك والدعوة إلى التوحيد .
- بيان عقيدة "الحياة بعد الموت" ودحض الفكرة الخاطئة بأنه لا يوجد شيء بعد هذه الحياة الدنيا.
دحض الخرافات الشائعة
- بيان المبادئ الأخلاقية الأساسية لبناء المجتمع الإسلامي.
الأجوبة على الاعتراضات الموجهة إلى شخص الرسول الكريم ورسالته.
- العزاء والتشجيع للرسول الكريم وأصحابه الذين كانوا في ذلك الوقت في حالة من القلق واليأس بسبب الفشل الظاهر في مهمتهم.
النصح والتحذير والتهديد للكافرين والمعارضين بالتخلي عن لامبالاتهم وغرورهم. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المواضيع المذكورة أعلاه لم تُعالج كلٌّ على حدة تحت عناوين منفصلة، بل يستمر الحديث عنها كوحدة متكاملة، وتُناقش هذه المواضيع مرارًا وتكرارًا بطرق جديدة ومختلفة.

خلفية السور المكية

وبما أن هذه هي أول سورة مكية طويلة في ترتيب جمع القرآن الكريم، فمن المفيد أن نوضح الخلفية التاريخية للسور المكية بشكل عام، حتى يتمكن القارئ من فهم السور المكية بسهولة وإشاراتنا إلى مراحلها المختلفة فيما يتصل بتفسيرنا لها.

أولاً، تجدر الإشارة إلى أن المعلومات المتوفرة حول خلفية نزول السور المكية قليلة نسبيًا، بينما يُعرف وقت نزول جميع السور المدنية، أو يُمكن تحديده بسهولة. هناك روايات صحيحة حتى فيما يتعلق بمناسبات نزول معظم الآيات. من ناحية أخرى، لا تتوفر لدينا معلومات مفصلة عن السور المكية. هناك عدد قليل فقط من السور والآيات التي وردت روايات صحيحة حول وقت نزولها ومناسبته. ويرجع ذلك إلى أن تاريخ الفترة المكية لم يُجمع بتفصيل مماثل لتاريخ الفترة المدنية. لذلك، علينا الاعتماد على الأدلة الداخلية لهذه السور لتحديد وقت نزولها: مثلًا، المواضيع التي تتناولها، وموضوعها، وأسلوبها، والإشارات المباشرة أو غير المباشرة إلى أحداث ومناسبات نزولها. وبالتالي، من البديهي أنه بمساعدة أدلة كهذه، لا يمكننا الجزم بأن هذه السورة أو الآية نزلت في مناسبة كذا وكذا. أقصى ما نستطيع أن نفعله هو أن نقارن الأدلة الداخلية لسورة ما مع أحداث حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، ومن ثم نصل إلى نتيجة صحيحة إلى حد ما بشأن المرحلة التي تنتمي إليها سورة معينة.

وإذا أخذنا ما تقدم في الاعتبار، فإن تاريخ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة يمكن تقسيمه إلى أربع مراحل.

بدأت المرحلة الأولى بتعيينه رسولًا، وانتهت بإعلان النبوة بعد ثلاث سنوات. خلال هذه الفترة، أُبلغت الرسالة سرًا إلى نخبة مختارة، ولم يكن عامّة أهل مكة على علم بها.

المرحلة الثانية استمرت عامين بعد نبوته. بدأت بمعارضة فردية، ثم تطورت تدريجيًا إلى عداء وسخرية واستهزاء واتهام وإساءة وترويج دعاية كاذبة، ثم تشكلت عصابات لاضطهاد المسلمين الفقراء والضعفاء والعاجزين.

المرحلة الثالثة استمرت قرابة ست سنوات من بداية الاضطهاد حتى وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنهما في السنة العاشرة من النبوة. خلال هذه الفترة، اشتد اضطهاد المسلمين لدرجة أن الكثير منهم اضطر للهجرة إلى الحبشة. فُرض حظر اجتماعي واقتصادي على النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، واضطر من بقي من المسلمين في مكة إلى اللجوء إلى شيعة أبي طالب المحاصرة.

المرحلة الرابعة استمرت قرابة ثلاث سنوات، من السنة العاشرة إلى السنة الثالثة عشرة من النبوة. كانت هذه فترة ابتلاءات قاسية ومعاناة شديدة للنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه. أصبحت الحياة لا تُطاق في مكة، ولم يكن هناك ملجأ حتى خارجها. لدرجة أنه عندما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، لم توفر له أي مأوى أو حماية. علاوة على ذلك، كان يدعو في موسم الحج كل قبيلة عربية لقبول دعوته إلى الإسلام، لكنه قوبل بالرفض القاطع من كل حدب وصوب. في الوقت نفسه، كان أهل مكة يتشاورون للتخلص منه بقتله أو سجنه أو نفيه من مدينتهم. في تلك اللحظة الحاسمة، فتح الله على الإسلام قلوب أنصار يثرب حيث هاجر بدعوتهم.

بعد أن قسمنا حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة إلى أربع مراحل، أصبح من الأسهل علينا تحديد المرحلة التي نزلت فيها كل سورة مكية، قدر الإمكان. وذلك لأنه يمكن تمييز سور كل مرحلة عن سور المراحل الأخرى من خلال موضوعها وأسلوبها. كما أنها تحتوي على إشارات تُلقي الضوء على الظروف والأحداث التي شكلت خلفية نزولها. في السور المكية التالية، سنحدد، بناءً على السمات المميزة لكل مرحلة، ونشير في المقدمة إلى المرحلة التي نزلت فيها كل سورة مكية.

الموضوع: العقيدة الإسلامية.

تتناول هذه السورة بشكل رئيسي جوانب أركان العقيدة الإسلامية الرئيسية: التوحيد ، والحياة بعد الموت، والنبوة، وتطبيقاتها العملية على حياة الإنسان. كما تُفنّد معتقدات المخالفين الخاطئة، وتُجيب على اعتراضاتهم، وتُحذّرهم وتُوعظهم، وتُعزّي النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه الذين كانوا يُعانون من الاضطهاد آنذاك.

وبطبيعة الحال، لم يتم التعامل مع هذه المواضيع تحت عناوين منفصلة، بل تم دمجها بطريقة ممتازة.

المواضيع وترابطها

هذه الآيات تمهيدية ووعظية. وقد حذّرت الكفار من أنهم إن لم يقبلوا عقيدة الإسلام ويتبعوا نور الوحي من الله العليم القدير، فسيلاقون مصير الكفار السابقين. وقد رُدّت حججهم في رفض النبي والوحي المُنزّل عليه، ووُجّهت إليهم تحذيراتٌ بألا يغترّوا بالمهلة المُمنوحة لهم. 1-12

وهذه الآيات تدعو إلى التوحيد ، وتدحض الشرك الذي هو أعظم العوائق في طريق قبوله. 13-24

وفي هذه الآيات صورة واضحة للحياة في الآخرة لتحذير الكافرين من عواقب رفضهم لأصول الإيمان. 25-32

النبوة هي الموضوع الرئيسي الذي تمت مناقشته من وجهة نظر الرسول الكريم، ورسالته، وحدود سلطاته، والموقف من أتباعه، وكذلك من وجهة نظر الكافرين. 33-73

استمرارًا للموضوع نفسه، رُويت قصة النبي إبراهيم لتوضيح للعرب الوثنيين أن رسالة النبي محمد، التي كانوا يعارضونها، هي نفسها رسالة النبي إبراهيم (عليه السلام). وقد اعتُمد هذا المنطق لأنهم اعتبروا أنفسهم من أتباعه، وخاصة قريش الذين كانوا يفتخرون بانتمائهم إليه أيضًا. 74-90

ومن أدلة نبوته أيضاً الكتاب الذي أنزله الله عليه، لما فيه من الهداية في العقيدة والعمل. 91-108

وقد قورنت القيود الإلهية بالقيود الخرافية التي فرضها العرب الوثنيون لإظهار الفروق الصارخة بينهما، وبالتالي إثبات أن القرآن كتاب منزل. 109-154

وقد حث اليهود الذين انتقدوا في 144-147 مع العرب الوثنيين على مقارنة تعاليم القرآن بتعاليم التوراة حتى يعرفوا تشابههما ويتركوا أعذارهم الواهية عنه، ويتبعوا هدايته للنجاة من العقاب يوم القيامة. 155-160

وهذه هي خلاصة الخطاب: لقد أُمر النبي الكريم (ص) بأسلوب جميل وقوي أن يعلن بلا خوف بنود العقيدة الإسلامية وتداعياتها. 161-165